المسألة الأولى في سبيل نصرة الرسول الكريم -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- هي ترك الخوض في شأن الفيلم، أو في شأن منتجيه وممثليه، وترك تناوله بتحليل أو وصف لأحداثه أو تناقل رابطه وتداوله، فنصرة الرسول لا تكون بتسويق حديث أو فيلم أو أي منتج إعلامي أراد النيل من أفضل الخلق، يقول الله تعالى في سورة النور عن حادثة الإفك التي طالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فبرأها الله منها: (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين)، وهنا حادثة مشابهة لما حدث مؤخراً حين ضج العالم الإسلامي بسبب فيلم مسيء لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقد جاء في تفسير ابن كثير حول هاتين الآيتين الكريمتين من سورة النور: [أي: ما ينبغي لنا أن نتفوه بهذا الكلام ولا نذكره لأحد (سبحانك هذا بهتان عظيم) أي: سبحان الله أن يقال هذا الكلام على زوجة نبيه ورسوله وخليله.
ثم قال تعالى: (يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا) أي: ينهاكم الله متوعدا أن يقع منكم ما يشبه هذا أبدا، أي: فيما يستقبل. فلهذا قال: (إن كنتم مؤمنين) أي: إن كنتم تؤمنون بالله وشرعه، وتعظمون رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فأما من كان متصفا بالكفر فذاك له حكم آخر]، انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.
أما المسألة الثانية فأراها تكمن في طريقة نصرة سيد الخلق -صلى الله عليه وسلّم- من خلال التعرض للسفارات الأجنبية ومهاجمتها واستباحة ما حوته من بشر وحجر، وهو أمر مخالف لهدي الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، فقد نهى -صلى الله عليه وسلم- عن قتل الرسل، حتى لما جاءه رسولا مسيلمة الكذاب، وهو من ادعى النبوة، وقالا بمثل قول الدعي الكذاب فقال خير الخلق: «لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما»، وهذا ما قال فيه ابن مسعود: «فمضت السُّنة أن الرسل لا تقتل»، ففي التراسل والسفارة بين الدول وبين الناس بصفة عامة مصالح تلح الحاجة على تأمينها، هذا فضلاً عن كون السفير ينطبق عليه حكم المعاهد، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-، كما جاء في صحيح البخاري: (ومن قتل معاهداً لم يَرَحْ رائحة الجنة).
ولعل في هذه المسألة أحاديث كثيرة تجرّم التعامل بغوغائية كما حدث في ليبيا وفي عدد من العواصم الإسلامية أمام السفارات والقنصليات الأمريكية، فهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الأحق بالاتباع لنصرته، ولن يكون له نصيراً من ترك هديه وأهمل سنته وقادته حماسة العامة وجهلهم ليسيء، من جهة أخرى، لرسول الله وللدين الذي جاء به.
أما المسألة الثالثة فهي ما اتبعه بعضٌ ممن ينتمون لهذا الدين ويعونه جيداً، بل ويمتثلون هدي محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلّم-، حين اتبعوا سلوكاً متحضراً تمثّل في العمل على نشر سيرة المصطفى والدعوة إلى دينه بالحسنى، والإعلاء من شأن الدين الإسلامي بوصفه رسالة سماوية متحضرة لا تزر فيها وازرة وز أخرى، فلا يقتل السفير الليبي في بنغازي بجريرة من أنتجوا الفيلم في أمريكا، وهي الرسالة المتحضرة التي حفظت للمعاهدين حياتهم، كما حفظت الإسلام من تطاول الأعداء عليه من خلال الحث على التعايش السلمي مع من يسالم أهله، عملاً بمقتضى قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم)، وأعني هنا كثيرين ممن هبوا لنصرة الرسول بالتعريف به من خلال سلوكهم أولاً، فعلى سبيل المثال هبّ مجموعة من الشباب المسلم في مدينة ليفربول لنصرة الرسول بإهداء الكتب الإسلامية لغير المسلمين في الأسواق والقطارات والأماكن العامة، كما قام آخرون بنشر ملفات تعريفية بعدة لغات على الشبكة العنكبوتية، إلى غير ذلك من الممارسات المتحضرة التي تنصف خير الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام.
وأخيراً، إنني لا أشك في نبل كثيرين ممن حاولوا جاهدين أن ينصروا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فما من مسلم غيور إلا وهو مظنة الغضب من أي إشارة تنال من نبيه بسوء، لكن الغضب بسبب ما نال الرسول الكريم يجب أن لا يجعلنا نترك شريعته وضوابطها، إذ ليس من العقل أن نترك الأمر للاجتهاد المنفلت من أي تشريع لننصر من جاء بالدين الكامل، فمعصية الرسول لن تكون باباً صحيحاً نعبره لنهتف باسمه دون هدى، أو أن نجعل من الغضب له -صلى الله عليه وسلم- مبرراً للنيل ممن شدّد عليه أفضل الصلاة والسلام على وجوب عدم التعرض له، وشدد على حرمة دمه.